طفلنا اليوم يعيش في ثلاثة عوالم، عالمه الخاص وعالمه الافتراضي وعالمه الواقعي، وهذه العوالم الثلاث قد يكون فيها تناقض واختلاف في المفاهيم التي يتلقاها الطفل عن والديه، وهذا الوصف خاص لزماننا الذي نعيش فيه، فقد كان في السابق الطفل يعيش في عالمه الخاص والواقعي، أما اليوم فعالمه الخاص يختلف عن عالمه الواقعي وعن العالم الافتراضي، فإذا كان المربي لا يعرف مراحل نمو الطفل فيتعامل معه حسب نضجه وتطوره وينظم دخوله للعالم الافتراضي فإن النتيجة ستكون إما ضياع للطفل أو اصابته بالإمراض النفسية، لأن تجاهل مراحل نمو الطفل وتربيته بطريقة عشوائية تكون نتيجتها اضطراب الأمان النفسي عنده وضعف لتقدير ذاته وزيادة لعصبيته وقلقه، بالإضافة إلى تمرده على قيم الوالدين وزيادة الكذب والخوف، فيكون الوالدين قد دمروا مستقبل طفلهم بسبب تجاهلهم لمراحل نموه أو جهلهم في التعامل مع هذه المراحل أما مراحل نمو الطفل فأقسمها على ستة أقسام وهي : المرحلة الأولى من سن الولادة إلى عمر سنتين وتسمى هذه المرحلة (مرحلة الأمان)، والطفل يحتاج فيها للحضن والحب ووجود نظام روتيني لنومه وملابسه ونظافته ولعبه وطعامه بالإضافة إلى بعده عن العالم الافتراضي من خلال البعد عن الشاشة، أما من عمر سنتين إلى عمر أربع سنوات فهذه المرحلة تسمى (مرحلة الاكتشاف)، ويحتاج الطفل التدريب على الخيارات، مثل خيارات الطعام واللباس واللعب أو التعامل مع الآخرين، كما يحتاج في هذه المرحلة التركيز على الحوار ليكتسب معلومات جديدة وكلمات جديدة تساعده في التعبير عن نفسه ومشاعره، ونعطيه فرصة لاكتشاف الأشياء التي حوله واكتشاف الطبيعة والوجود أما من عمر أربع سنوات إلى سبع سنوات فهذه (مرحلة بناء السلوك)، ويحتاج الوالدين إلى ربط الأخلاق والقيم بالقصص والواقع والقدوة لأن الطفل في هذه المرحلة يحب التقليد واللعب، فنستثمر هذا الحب في غرس القيم والمباديء والإيمان، ولا مانع من دخوله للعالم الافتراضي ولكن بشرط تحديد الوقت ومراقبة المحتوى، أما من عمر سبع سنوات إلى عشر سنوات فهذه هي (مرحلة المسؤولية) ويحتاج الطفل لقوانين واضحة نتعامل معه فيها ونطبق هذه القوانين من خلال أسلوب الحزم والحب، كما نشجعه على المشاركة في البرامج الجماعية والأنشطة الخارجية وتنمية المواهب والقدرات عنده، أما من عمر عشر سنوات إلى اثنى عشر سنة فهذه (مرحلة الوعي والمناقشة)، وفي هذه المرحلة لابد من التركيز على الحوار والمناقشة الفكرية والثقافية، فيكثر السؤال عن الكون والخالق والحياة والعلاقات ويحاول فهم الدنيا وقوانينها، والعلوم الطبيعية والتجارب الحياتية، أما المرحلة الأخيرة وهي من عمر اثنى عشر سنة إلى ثمانية عشر سنة وهذه تسمى (مرحلة الهوية)، يحتاج الطفل في هذه المرحلة تعزيز ثقته بنفسه، وتعزيز ثقته بدينه وعائلته ومجتمعه ولغته ومعرفة تاريخه، كما يحتاج لمشاهدة قدوة تعزز عنده الإنتماء والهوية، ومهم في هذه المرحلة معاملته باحترام وتقدير ليحترم ذاته ويقدرها، هذا ملخص مختصر لطبيعة مراحل نمو الطفل، فلو فهمها الوالدين وتعاملا معه على هذا الأساس تكون النتيجة أن الطفل ينشأ نشأة صحية يحسن التعامل مع عوالمه الثلاثة من دون تأثير العالم الافتراضي عليه بشكل كبير، ونتدرج في غرس القيم عنده حسب مراحل نموه كما تدرج لقمان في تربية ابنه، ومن يتأمل مراحل تربية لقمان لابنه يجد أنه بدأ بالإيمان والعقيدة أولا ثم بالسلوك وبعدها الأخلاق ثم تحمل المسؤولية ثم التعامل مع الآخرين وأخيرا الحياة العملية، ويمكن للقارئ أن يرجع لقراءة سورة لقمان ليلاحظ التدرج الذي ذكرته،

