مبروك مولود جديد، صارت هذه الكلمة تطبق على الهاتف الذكي الجديد الذي يأتي للمنزل ويصبح عضوا جديدا في الأسرة، يشارك الجميع تفاصيل يومهم، ويسلب منهم مشاعرهم وعواطفهم، ولديه حضور طاغي ودائم بين أفراد الأسرة، فهو عضو جديد لا ننكر أهميته وفوائده، ولكنه جعل العلاقة بين الآباء والأبناء علاقة سطحية لا عميقة، وعلاقة غبية لا ذكية لا ننكر أهمية وجود الهواتف في الأسرة، ولا ننكر أن الهاتف سهل التواصل بين أفراد الأسرة وجعلها دائمة، وفتح آفاق للحوار والبحث وتبادل الصور والمشاعر والذكريات، وقرب المسافة بينهم وخاصة عندما يكونوا متباعدين، كما ساهم في زيادة وعي الأسرة وتعليمها من خلال المحتوى الهادف فيه، ولكن يبقى السؤال قائما هل الهاتف ساهم في علاقة أسرية حقيقية؟ أم مجرد تواصل رقمي بلا مشاعر ولا ودفء وحنان أو حب ؟ فالتربية حتى تكون متميزة وناجحة ولها أثر كبير في الأبناء، لابد أن تبنى على التواصل البصرى واللمس والبوح عن المشاعر ومشاهدة لغة الوجه والحضن والتعبير عن الحب بالكلام والأفعال، بالإضافة إلى مشاهدة الأبناء لردود أفعال الوالدين في مواقف الحياة وسلوكهم ليتعلموا من تصرفاتهم وأخلاقهم، وكذلك سماعهم قصص عن طفولتهم وقصص بيت الجد والجدة والعائلة، وكل هذه المهارات التربوية ضعفت بوجود الهاتف الذكي في يد كل فرد من أفراد الأسرة فحلت الرموز التعبيرية محل العناق والنظرات وكذلك محل التعبيرات العاطفية واللمسات الحانية حتى ولو كانت الأسرة كلها تعيش ببيت واحد، كما قل الإصغاء الحقيقي فصار كل ابن منشغل بعالمه الرقمي الخاص به، وصار البديل عن الوالدين في التربية هو (اليوتيوب) وسعادتهم مع (التيك توك) وقدواتهم موجودة في (الإنستا) وعلاقاتهم في (السناب) ، وضاع أثر الأب والأم وسط ضجيج الشاشة، وضاعت القيم والأخلاق والتربية الإيمانية وسط ضجيج الحياة الرقمية فالحب صار يصل للأبناء الكترونيا، وصارت الأخلاق تأخذ من المشاهير، والقيم يتعلمونها من المؤثرين، فصارت التربية جماعية لكن بلا أسرة ولا وجود للوالدين، ففقدت الأسرة لحظات التربية الطبيعية والحقيقية أثناء الوجبات والطلعات والجلسات والأحاديث أمام صمت الهواتف، وصار الحوار مختصرا وسريعا في الأسرة، وصرت تسمع من الأبناء كلمات ليس لها معنى مثل : (أنا مشغول) ويكون شغله مع الشاشة، أو عندما تطلب منه أن يأتي إليك يقول : (لحظة شوي) واللحظة تصبح ساعات بسبب الشاشة، أو عندما تكلفه بشيء يقول لك : (بعد خمس دقائق) وتمر الدقائق والساعات ولا ترى إنجازا كما وعد، فالهاتف الذكي حول العلاقة التربوية إلى علاقة غبية وليست ذكية، وإذا أردنا أن نجعل التربية ذكية لابد أن نتعامل مع الهاتف الذكي بذكاء، فالتربية الحقيقية ليست بعدد الرسائل القصيرة من الهاتف والتي ترسلها لابنك، وإنما بعدد الجلسات التي تجلس معه فيها، والوقت الذي تقضيه معه من غير اشغال ولا اشعار، فإذا أراد الوالدين تربية ناجحة وجو أسرى قائم على الحب والحوار، لابد لهما أن يضعا قانونا يضبط استخدام الشاشة حتى لا يفقدا بوصلة التربية في البيت، ويكونا حازمين في تطبيق قوانين الشاشة، وهذا القانون المفروض يلزم به الجميع حتى الآباء والأمهات، وقتها تكون التربية عميقة لا سطحية، وتكون التربية ذكية لا غبية،
